زاوية الرأي

لحراطين و القطيعة الإبستمولوجية المنشودة

لم يكن المرحوم همدي والد الهيبه أول عمدة لمدينة أطار ، و السفير محمد سعيد رحم الله الجميع ، ليحظى لدى المستعمر بتقدير و يتبوأ مكانته في مجتمع البظان لولا أن الله آتاه بسطة في الجسم و المال ، و الا لحافظ أبناؤه و أحفاده على تلك المكانة…و حين يقول خطري ولد اجه “مده بلا ماضي ما عندها حاضر” فإنه يستحضر هنا ، مقولة قديمة لمفكر غربي لا يختلف اثنان على وجاهتها ، و لا يهمني في هذا المقام مقصود الرجل ، و لا خلفيته عند إيراده ، لتلك المقولة ، بقدر ما يهمني توضيح دلالات و مفاهيم الماضي ، الحاضر و المستقبل في تاريخ الشعوب ، خصوصا بعد الضجة التي أثارتها تصريحات المعني ، و ردود الأفعال التي أختلف مع بعض مضامينها ، رغم تقديري و احترامي لمن صدرت عنهم و لأننا متفقون على أن ماضينا _معشر لحراطين – يمثل الجانب المظلم من تاريخ المجتمع الموريت حيث الظلم و القهر و الإهانة و الإذلال و استغلال الإنسان للإنسان ، فإن الحديث عن ماض لنا ، خارج هذا السياق ، يستدعي التحليل العاطفي و المجاملاتي ، بعيدا عن الواقعية و الموضوعية ، فالتاريخ في نهاية المطاف ” يكتبه المنتصرون” كما أن تجليات الواقع الذي يعيشه أبناء الشريحة ، من فقر وجهل و غبن و اقصاء و تهميش ، يعود في المقام الأول الى الظروف التي عاشها الأسلاف ، هذا فضلا عن تقاعس الأنظمة المتعاقبة ، منذ نشأة الدولة و انتهاجها سياسية النعامة بدل مواجهة المخاطر ، و كذا خذلان الكثير من نخب المجتمع للقضية ، و عدم جرأتهم على طرحها كقضية وطنية فالمستعمر الفرنسي ، حين دخل البلاد لم يجد مناصاً من التعامل مع الواقع ، فتعامل مع شيوخ القبائل و الزعامات الروحية ، و فتح “مدارس اولاد لخيام لكبار” و كل ذلك من أجل مصالحه . فهو في النهاية مستعمر ، و ليس فاتحاً كما إن paul Marty المؤرخ و المستشرق الشهير ، لم يعر شريحة لحراطين كبير اهتمام في كتاباته عن المجتمع الموريتاني ، اللهم إلا حديثاً مقتضباً في بعض رسائله ، حول أصول العبيد . من هنا وجب التركيز على الواقع ، على الحاضر ، الذي لما يستطع بعدُ ، إحداث القطيعة مع الماضي التعيس ، رغم القوانين و.رغم المشاربع التي يفترض آنها تستهدف مناطق الفقر (ادوابه . مثلث الفقر . مثلا) إن الحديث عن هوية لحراطين و الإعتراف بهم كقومية هو جزء من نقاش عقيم . لم يستهوني قط ، و طالما أن الفساد لم يكن منصفاً ، بل عزز الفوارق ، فإن ما نحتاجه هو توزيع عادل للثروة ، و انصاف للمحرومين . و في مقدمتهم لحراطين ، و إذا كان الرئيس غزواني قد استطاع الفطيعة مع من سبقوه ، في الخطاب الرسمي ، الا أنه لم يستطع حتى اللحظة تجسيد ذلك الخطاب الذي دعا فيه إلى تغيير العقليات و تجاوز النظرة الدونية لبعض الطبقات بسياسات ملموسة ، أكثر إنصافا ، في منح الصفقات و التعيينات و خلق الفرصإن النفاذ.للملكية الفردية و تحقيق مكانة أو مركز اقتصادي اجتماعي سياسي معين هو المحدد للهوية في هذا العصر و حين يتجاوز الحراطين عائقي الجهل و الفقر ، سيفرضون مكانتهم و يجدون ذواتهم في الدولة ، و الأمر يتطلب حلولا غير تقليدية ، لعل أبسطها هو سياسية تمييز إيجابي ، لا تكون على حساب الكفاءة ، و على أية حال فإن النقاش ينبغي أن يكون في هذا الإتجاه ، و إذا كان غاستزن باشلارد يقول “إن الحقيقة العلمية خطأ تم تصحيحه” و “نحن لا نبني معرفة إلا على أنقاض أخرى ” فإن تغيير واقع لحراطين رهين بتجاوز العديد من العقليات و السلوكيات و السياسات و الخطابات التقليدية ، سواء في القمة أو القاعدة ؟.. فتصحيح الواقع بقتضي الفطيعة مع الماضي.

بقلم : محمد ولد الفالي

اظهر المزيد

باركيول نت

منصة إعلامية تعنى بالشأن الثقافي والتراثي، وتواكب الأحداث السياسية والاجتماعية الوطنية بمهنية واهتمام. هدفها الأسمى هو إنارة الرأي العام الوطني، من خلال تقديم محتوى رصين، جديد ومفيد، يواكب تطلعات المتابعين ويعكس نبض المجتمع وقيمه الأصيلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى