من رفوف الكتب

ألف قصة وقصة من الصالحين… حدائق الإيمان التي لا تذبل

تأليف: عبد الحميد جمعة
الناشر: دار ابن كثير – دمشق

في زمنٍ تتزاحم فيه المؤلفات وتتشابه العناوين، يطلّ علينا كتاب «ألف قصة وقصة من الصالحين» كنفحة روحانيةٍ تعيد إلى القلوب صفاءها، وإلى النفوس طمأنينتها، وتغرس في الأرواح حب الصلاح والاقتداء بالأخيار.
إنه ليس مجرد كتاب يروي أخبار الزاهدين والعباد، بل مدرسة تربوية وأدبية تفتح أمام القارئ أبواب الإيمان من خلال مواقف حيّة وواقعية، امتزج فيها الإخلاص بالحكمة، والعبرة بالموعظة الحسنة.

القصص التي تحيي القلوب

يضم الكتاب بين دفتيه ألف قصة من سير الصالحين والعابدين، تبدأ من عهد الأنبياء وتمتد إلى أخبار الصحابة والتابعين والعارفين بالله.
وقد رتّب المؤلف قصصه في أبواب متناسقة: باب التوبة، باب الصبر، باب الزهد، باب الكرم، باب الإخلاص، وغيرها من الأبواب التي تفيض بالحكمة وتربّي النفس على التقوى.

من أجمل ما ورد فيه قصة العابد الذي باع دنياه بآخرته، إذ ترك متجره المزدحم حين سمع نداء المؤذن وقال لمن حوله:

“يا قوم، ما عند الله خير وأبقى.”
ثم باع متجره وتفرّغ للعبادة، فكان رزقه في البركة لا في المال، وخلّده الناس بذكرٍ طيب.
في هذه القصة نرى كيف تكون النية الصادقة طريقًا إلى الفلاح، وكيف يُبارك الله في من ترك شيئًا لأجله.

كما يسرد الكتاب قصة المرأة التي غفر الله لها بسقيا كلب، وهي امرأة بغيّ من بني إسرائيل سقت كلبًا عطشانًا، فشكر الله لها وغفر ذنبها.
قصة قصيرة في لفظها، عظيمة في معناها، تذكرنا بأن الرحمة مفتاح الغفران، وأن القلوب الطيبة لا تضيع عند الله أبدا.

وفي باب الصبر والرضا، نجد قصة العجوز التي فقدت ولدها الوحيد، فلما جاءها الناس يعزّونها قالت:

“إنما هو عارية استردها صاحبها، فالحمد لله على عطائه واسترداده.”
عبارة تختصر جوهر الإيمان، وترسم أسمى صور الصبر الجميل والرضا بالقضاء.

رسالة الكتاب وأهميته

تكمن أهمية كتاب «ألف قصة وقصة من الصالحين» في أنه يُعيد للقصص الإسلامية مكانتها التربوية والأخلاقية، ويقدّم نموذجًا راقيًا للأدب الهادف الذي يربّي ويزكّي.
فكل قصة فيه هي نبضة من نور، تُوقظ القلب وتذكّره بأن الحياة ليست إلا طريقًا إلى الله، وأن السعادة الحقيقية لا تُنال إلا بالقرب منه.

إنه كتاب لا يقرأ لمجرد التسلية، بل يُتلى لتزكية النفس وإحياء الضمير، ويصلح لأن يكون رفيقًا في المجالس والدروس والمنابر، لما يحمله من عبرٍ تُلامس الفطرة وتغذّي الروح.

خلاصة القول

ألف قصة وقصة من الصالحين ليس مجرد صفحات تُطوى، بل رحلة إيمانية تسافر فيها الروح من قصة إلى أخرى،
تتعلّم من الصابرين دروس الصبر، ومن التائبين معاني الرجاء، ومن الزاهدين فنّ العزوف عن الدنيا.

هو كتابٌ يُعيدنا إلى جوهر الإيمان البسيط، ويذكّرنا بأن القصة الصادقة قد تكون أبلغ من ألف خطبة.
يقرأه الباحث عن السكينة، فيجد فيه غذاء قلبه،
ويتأمله المربّي، فيرى فيه زادًا تربويًا لا يقدّر بثمن.

اظهر المزيد

باركيول نت

منصة إعلامية تعنى بالشأن الثقافي والتراثي، وتواكب الأحداث السياسية والاجتماعية الوطنية بمهنية واهتمام. هدفها الأسمى هو إنارة الرأي العام الوطني، من خلال تقديم محتوى رصين، جديد ومفيد، يواكب تطلعات المتابعين ويعكس نبض المجتمع وقيمه الأصيلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى