
عدنان إبراهيم يضع الإخوان تحت المجهر: حين يتحوّل الدين إلى أيديولوجيا للهيمنة
قراءة في كتاب «الإخوان المسلمون والتهديد الفكري»
في زمنٍ يتسارع فيه الجدل حول علاقة الدين بالسياسة، يقدّم الدكتور عدنان إبراهيم في كتابه «الإخوان المسلمون والتهديد الفكري» دراسة فكرية جريئة، يسلّط فيها الضوء على ما يصفه بـ«الخلل البنيوي في الوعي الإسلامي الحديث» الذي تمثّله جماعة الإخوان المسلمين.
لا يتناول المؤلف الجماعة من منظور أمني أو سياسي، بل يتوغّل في عمقها الفكري، باحثًا في كيفية تحوّل الدين إلى أيديولوجيا حزبية مغلقة، تُقدّم الولاء للتنظيم على حساب الولاء للوطن والدين معًا.
ينطلق عدنان إبراهيم من تحليل الأركان الفكرية التي بُني عليها المشروع الإخواني، وهي – كما يوردها الكتاب – الخلافة والحاكمية، والأمة في مقابل الوطن. ويرى أن هذه المفاهيم، في صياغتها الإخوانية، حوّلت الإسلام من رسالة قيمية إلى مشروع سلطوي يهدف إلى استعادة الخلافة لا إلى إصلاح الإنسان. ويكتب في هذا السياق:
«دعوى كون السلطة السياسية من أصول الدين إنما هي ذريعة لحشد الأتباع وتعبئة الجماهير».
وفي فصل “الأمة في مقابل الوطن”، يحذّر المؤلف من خطر تفكيك الانتماء الوطني، مشيرًا إلى أن الخطاب الإخواني يجعل الولاء للأمة الإسلامية متقدّمًا على الانتماء للوطن، وهو ما يهدد فكرة الدولة الحديثة. ويقول محذرًا:
«هل ننتظر إلا تصارعا واحتِرابا دامِيا، ومتزيق الأمة شيعا، كل حزب بما لديهم فرحون؟»
كما يخصّص الكتاب فصولًا كاملة لتفكيك الوسائل التي اعتمدتها الجماعة في تحقيق أهدافها، ويعدّ أخطرها خمس وسائل:
التراتبية الصارمة، احتكار تفسير الدين، الطاعة العمياء (الطاعوية)، التقيّة والتلون، والإرهاب المؤجل والمعجّل.
ويشبّه سلوك الجماعة في هذا المجال بـ“أساليب الحشاشين القدامى في الاختفاء والخداع”، موضحًا أن «هذه الممارسات جعلت الإخوان في صدامٍ دائم مع مجتمعاتهم».
أما في نقده لفكر سيد قطب، فيقتبس المؤلف قوله: «دعوة الإخوان دعوة مجردة من التعقب، ومن يعارضها فهو جاهل أو متعقب»، ليعلّق قائلاً:
«هل يُعقل أن تُمنح جماعة بشرية صفة العصمة التي لم تُمنح إلا للأنبياء؟»
بهذه الحدة الفكرية، يضع عدنان إبراهيم الأساس لموقفه: أن الخطر في الإخوان ليس فقط في ممارساتهم، بل في تصوّرهم المقدّس لتنظيمهم وقيادتهم.🟩 أفكار محورية من نص الكتاب نفسه
- الركائز الفكرية للجماعة:
يبيّن المؤلف أن مشروع الإخوان يقوم على ثلاثة أركان أساسية:
الخلافة والحكومة الإسلامية، الحاكمية، والأمة في مقابل الوطن.
ويرى أن الجماعة “حوّلت الدين إلى أداة سياسية لاستعادة سلطة زائلة، لا إلى منظومة قيمية للإصلاح الأخلاقي والاجتماعي”.- نقد مفهوم الحاكمية:
يناقش عدنان إبراهيم فكرة الحاكمية كما تبنّاها سيد قطب، مبينًا أن «دعوى كون السلطة السياسية من أصول الدين إنما هي ذريعة لحشد الأتباع وتعبئة الجماهير».
ويعتبر أن هذا الطرح هو الذي مهّد لتسييس الدين وتحويله إلى وسيلة للشرعية التنظيمية لا الشرعية الأخلاقية.- الأمة والوطن:
في فصل “الأمة في مقابل الوطن”، ينتقد المؤلف منطق الجماعة الذي يضع “الانتماء للأمة” فوق “الانتماء للوطن”، ويرى فيه خطرًا وجوديًا على الدولة الوطنية الحديثة، قائلاً إن ذلك يؤدي إلى “تصارع الجبهات وتمزيق الأمة شيعًا وأحزابًا”.- وسائل التنظيم:
يعرض عدنان إبراهيم خمس وسائل رئيسة يرى أنها أخطر ما في بنية الإخوان:
التنظيم الهرمي الصارم، احتكار تفسير الدين، الطاعة العمياء (الطاعوية)، التقيّة والتلون، والإرهاب المؤجّل والمعجّل.
ويشبّه سلوكهم بـ“أساليب الحشاشين القدامى في الاختفاء والتسلل والخداع”.- نقد فكر سيد قطب:
يورد المؤلف نصًا لقطب يقول فيه: «دعوة الإخوان دعوة مجردة من التعقّب، ومن يعارضها فهو جاهل أو متعقّب»، ويعلّق عليه قائلًا إن هذا المنطق “يمنح التنظيم عصمة لا تُعطى إلا للأنبياء”.- الختام والرؤية الإصلاحية:
يختم عدنان إبراهيم كتابه بالدعاء أن “يبصّر الله المسلمين بحقيقة هذا التنظيم الخارجي المنحرف عن صحيح الدين، ويحفظ الأمة من مكره وشرّه”، داعيًا إلى تجديد الفكر الديني على قاعدة العقل والرحمة والعدل.
ويختم الكتاب بنداءٍ إصلاحي عميق:
«نسأل الله أن يبصّر المسلمين بحقيقة هذا التنظيم الخارجي المنحرف عن صحيح الدين، وأن يحفظ أمتنا من مكره وشرّه».
داعيًا إلى تحرير الخطاب الديني من أسر الأيديولوجيا، وإعادته إلى فضاء العقل والرحمة والعدالة، لأن “الخلاص من التهديد الفكري لا يكون بالقمع، بل بالوعي”.
الخلاصة
الكتاب ليس مجرد نقد سياسي، بل هو تشريح فكري عميق لجماعة الإخوان المسلمين، يكشف بنيتها المفهومية التي تضع التنظيم فوق الدين، والسلطة فوق الدعوة، والطاعة فوق العقل.
يستند عدنان إبراهيم إلى تحليل النصوص المؤسسة، مبرزًا التناقض بين الخطاب الدعوي والشهوة السلطوية، ليقدّم في النهاية مشروعا تحريريا للدين من أسر الأيديولوجيا، يعيد الإسلام إلى مقاصده الكبرى: الحرية، والعدل، والكرامة الإنسانية.



