
تنظيم القاعدة يقترب من حكم مالي.. تهديد متصاعد يضع الجزائر وموريتانيا أمام اختبار أمني خطير
حذّر تقرير بثّته قناة DW الألمانية ضمن برنامج “ببساطة مع 3” من خطر غير مسبوق في منطقة الساحل الإفريقي، يتمثل في اقتراب تنظيم القاعدة من السيطرة الفعلية على دولة مالي دون خوض معارك مباشرة، عبر ما وصفه التقرير بـ«الحصار الاقتصادي الخانق» للعاصمة باماكو، مما ينذر بتداعيات إقليمية عميقة تمس الجزائر وموريتانيا بشكل خاص.
التفاصيل:
أشار التقرير إلى أنّ الجماعات الجهادية في غرب إفريقيا تشهد توسعًا مقلقًا وتعتمد أساليب جديدة لإسقاط الحكومات دون مواجهات مسلحة، أبرزها استخدام سلاح الوقود لشلّ مؤسسات الدولة. فقد تسبب قطع إمدادات الطاقة في شلل حركة النقل وإغلاق المدارس والجامعات ونقص المواد الأساسية في مالي، ما جعل العاصمة تحت حصار اقتصادي يهدد بانهيار مؤسساتها.
وأوضح البرنامج أن جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، التابعة لتنظيم القاعدة، تعدّ الفاعل الرئيس في هذا التصعيد، إذ نفّذت خلال يوليو الماضي أكثر من 90 هجومًا في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حسب مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025 الذي أكد أن منطقة الساحل استحوذت على نحو 19% من الهجمات الإرهابية حول العالم.
التقرير استعرض جذور الأزمة التي بدأت عام 2012 حين انهار الجيش المالي وسيطرت جماعات متشددة على شمال البلاد، ما دفع فرنسا للتدخل عسكريًا عبر عمليتي سيرفال وبرخان. لكن الانقلابات العسكرية المتتالية في 2020 و2021 أدت إلى انسحاب القوات الفرنسية عام 2022 وملء الفراغ الأمني بعناصر فاغنر الروسية، قبل أن تُستبدل لاحقًا بما يعرف بـ«الفيلق الإفريقي» التابع لوزارة الدفاع الروسية.
ويرى خبراء تحدثوا للبرنامج أن «سقوط باماكو في يد القاعدة» بات مسألة وقت، وأن الخطر يمتد إلى الجزائر وبوركينا فاسو والنيجر، مما قد يعيد رسم خريطة الساحل برمّته.
تداعيات على الجزائر وموريتانيا:
بيّن التقرير أن الجزائر تنظر بقلق بالغ إلى التطورات في مالي، خاصة بعد انهيار اتفاق الجزائر للسلام الموقع عام 2015 بين باماكو والطوارق، والذي كانت الجزائر ضامنه الرئيسي. فانسحاب مالي من الاتفاق عام 2024 فجّر أزمة ثقة حادة، إذ اتهمت باماكو الجزائر بدعم جماعات مسلحة والسماح لها بفتح مكاتب على أراضيها، وهو ما نفته الجزائر معتبرةً القرار «بذور حرب أهلية تهدد أمن المنطقة».
الجزائر تواجه اليوم خطر تمدد الإرهاب عبر حدودها الجنوبية التي تمتد نحو 1400 كيلومتر مع مالي، إلى جانب هواجس من نزعات انفصالية بين الطوارق داخل أراضيها واحتمال تدفق موجات لاجئين في حال تفجّر صراع جديد.
أما موريتانيا، التي تتقاسم حدودًا تصل إلى 2200 كيلومتر مع مالي، فتستضيف آلاف اللاجئين الماليين في مخيمات بولاية الحوض الشرقي، مما يشكل عبئًا اقتصاديًا وأمنيًا متزايدًا. ورغم نجاح نواكشوط في ضبط حدودها، إلا أنّها اتهمت الجيش المالي وعناصر روسية متحالفة معه بانتهاك أراضيها وملاحقة مسلحين داخل الحدود، وهو ما بررته باماكو بمطاردة «إرهابيين».
ويرى محللون في تقرير DW أن موريتانيا تجد نفسها بين خيارين صعبين: الحفاظ على سياسة الحياد والتوازن مع باماكو، أو التحرك لتأمين حدودها بشكل أشد في حال توسع نفوذ التنظيمات الجهادية داخل مالي.
ويؤكد برنامج “ببساطة مع 3” أن سقوط مالي في أيدي الجماعات المتشددة سيكون بمثابة زلزال جيوسياسي في الساحل الإفريقي، سيدفع الجزائر وموريتانيا إلى إعادة حساباتهما الأمنية والدبلوماسية، في وقت تتزايد فيه مؤشرات الانفلات الأمني وانهيار مؤسسات الدولة في باماكو.



