
نحو إصلاح حقيقي بعيد عن التفاوت الطبقي وأمراض المجتمع
كتب محمد الأمين حيبالله
في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ وطننا، لم يعد مقبولًا أن نواجه تحديات الواقع بخطابات التجميل ولا بشعارات التفاؤل المفرط.
فمحاربة الفساد لا تحتاج إلى عبارات منمّقة بقدر ما تحتاج إلى نية صادقة ومسحة حقيقية من الإخلاص الوطني، تُترجم إلى عمل ميداني جاد ومسؤول، يتجاوز المصالح الضيقة والانتماءات القبلية والجهوية، ويواجه بجرأة كل مظاهر الخلل التي نخرت جسد الدولة والمجتمع.
إن بلادنا اليوم في حاجة ماسّة إلى ائتلاف وطني شامل، لا يُقصي أحدًا ولا يتزيّن بالشعارات، بل يقوم على قاعدة من الصدق والمواطنة والمساواة. ائتلاف يجتمع حوله كل من يؤمن بأن الفساد هو أصل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية التي عانى منها الوطن لعقود طويلة. ولا سبيل إلى الإصلاح الحقيقي إلا بتوحيد الجهود وتنقية النيات، وإعلاء صوت المصلحة العامة فوق كل الأصوات.لقد عبّر فخامة رئيس الجمهورية، في خطابه التاريخي بمدينة وادان، وفي كلمته الصريحة في دجول، وفي مناسبات وطنية أخرى، عن إرادة سياسية صادقة وشجاعة في محاربة الفساد وتجسيد قيم العدالة والمساواة والشفافية. كانت تلك الخطابات بمثابة خارطة طريق وطنية للإصلاح، ودعوة مفتوحة لكل الموريتانيين إلى الانخراط في معركة بناء الدولة على أسس من النزاهة والإنصاف وسيادة القانون.
واليوم، بات من الضروري أن تلتف جميع القوى السياسية والاجتماعية حول هذه الرؤية الوطنية الجامعة، وأن تعمل بصدق على تجسيد تلك الخطابات الإصلاحية في الواقع العملي، عبر مبادرات مدنية وشعبية مسؤولة، تترجم مضمونها إلى أفعال ملموسة.
ومن هذا المنطلق، فإننا ندعو إلى تنظيم ندوات ومحاضرات وملتقيات وطنية مفتوحة تُعنى ببلورة عمل مشترك يستلهم تلك التوجيهات الرئاسية، ويستند إلى موروثنا الثقافي والإسلامي الأصيل الذي يدعو إلى العدل ومحاربة الفساد ونبذ الظلم.إن محاربة الفساد مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، بين الحاكم والمحكوم، ولا يمكن أن تثمر إلا إذا تحررنا من أمراضنا الاجتماعية المتجذّرة: الولاء الأعمى، التفاوت الطبقي، والأنانية المصلحية التي شوّهت معنى الوطنية وأضعفت مناعة المجتمع.
إن هذه الدعوة لا تقوم على تفاؤل ساذج، بل على إيمان واقعي بأن الإصلاح ممكن حين تتوافر الإرادة الصادقة والعزيمة الجماعية.
فالله تعالى يقول:> “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.”إن الدعوة إلى ائتلاف وطني شامل لمحاربة الفساد، ليست مبادرة سياسية عابرة، بل مشروع وطني وأخلاقي يستمد قوته من قيم الإسلام، ومن ضمير الشعب، ومن توجيهات القيادة العليا التي جعلت من الإصلاح ومحاربة الفساد عنوانًا لمرحلة جديدة في تاريخ موريتانيا.
اليوم أمامنا فرصة نادرة لإحياء الضمير الوطني وتجديد العهد مع الله والوطن، على أن تكون محاربة الفساد مسيرة إصلاح هادئة وصادقة، لا ترفع الشعارات بل تبني المؤسسات، ولا تكتفي بالتنديد بل تُغيّر الواقع.ولن يكون هذا الإصلاح ممكنًا إلا إذا تحررنا من التفاوت الطبقي والنفاق الاجتماعي والسياسي، ووضعنا نصب أعيننا هدفًا واحدًا:
بناء موريتانيا نظيفة، عادلة، تحكمها الضمائر الحيّة لا المصالح الضيّقة.موريتانيا تستحق الأفضل… ولن نمنحها أقل من ذلك.



