زاوية الرأي

مجموعة “اشراتيت” وقبيلة “تجكانت” بين التاريخ والسياسة قراءةٌ في غيابٍ لافتٍ عن مشهدِ التنصيبِ الأخير

بقلم : دبـَّاد ديدي

تُعدّ العلاقاتُ القبليةُ في الفضاءِ الموريتاني مرآةً لتشابكِ التاريخِ بالجغرافيا ولِتفاعلِ الانتماءِ الاجتماعي مع التحولاتِ السياسيةِ الراهنة فالمجال القبليُّ هنا ليس مجردَ بُنيةٍ اجتماعيةٍ موروثةٍ بل هو كيانٌ متجددٌ يعيدُ تعريفَ ذاته وفقَ الظروفِ والمصالحِ والمواقف ومن بين العلاقاتِ التي عرفت مدًّا وجزرًا في هذا السياق تبرز العلاقة بين مجموعة “اشراتيت” وقبيلة “تجكانت” اللتين يجمعها تاريخٌ طويلٌ ومجالٌ جغرافيُّ واسعٌ من التواصلِ والتجاور
لكنّ التطوراتِ الأخيرةِ أظهرت فتورًا في هذه العلاقة تجلَّى بشكل واضحٍ في غيابِ “تجكانت” عن حفلِ تنصيب زعيم “اشراتيت” الجديد
ففي مناسبة أقامتها مجموعة “اشراتيت” مؤخرًا لتنصيب زعيمها الجديد “الدان ولد عثمان” خلفًا للزعيم الراحل “عثمان ولد المختار” لُوحظ غيابٌ شبهُ تامٍ للتمثيلِ الرسمي من قبيلة “تجكانت” رغم حضورِ عدد من القبائل المجاورة الأخرى وقد أثار هذا الغياب تساؤلات واسعة خاصة إذا ما قورن بما حدث سنة 2021 في حفل تنصيب أمير “إدوعيش” مجموعة أَبَكَاكْـ (أهل أسويد أحمد) في بلدة أشرم حين حضرت “تجكانت” بكامل ثقلها وقيادتها وشيوخها وبقدِّها وقديدها ملبية نداءَ الواجبِ والعِشرة والتاريخ

غيابُ “تجكانت” عن تنصيبِ زعيمِ “اشراتيت” لم يكن تفصيلاً بروتوكوليًا عابراً بل اعتُبر إشارة سياسية واجتماعية ذات دلالةٍ اجتماعيةٍ وسياسية عميقة خصوصا في ظل ما يتداول من توترٍ سياسي بين المجموعتين في السنوات الأخيرة داخل منطقة أفطوط وبعض المناطق الأخرى في ولاية لعصابه
تشير المعطيات إلى أن بعضَ زعماءِ “تجكانت” في أفطوط كانوا في طليعةِ من تبنّوا خيارَ مقاطعةِ حفل التنصيب في ظل ما وُصف بأنه -خلاف سياسي ظرفي- مع مجموعة “اشراتيت” في امبود وبعض مناطق آفطوط
كما أن جماعة أولاد إبراهيم في گرو رغم علاقاتها التاريخيةِ المتشابكةِ مع “اشراتيت” آثرت الموقف ذاته فغاب عنها الصفان الأول والثاني من الشخصيات السياسية وحضر بعض الأفراد من الصف الثالث فقط أو من تربطهم علاقةٌ خاصةٌ بمجموعة اشراتيت في ما فُسّر على أنه رسالة رمزية واضحة تعبّر عن تحفظٍ سياسي واجتماعي في آن واحد
أما مجموعة ارماظين وبعد مشاورات داخلية أجرتها لجنتها السباعية فقد تَبَنَّتْ الموقفَ الرسميَّ لعموم “تجكانت” بمقاطعة الحفل رغم وجود بعض الأطر البارزين داخلها مثل الوزير السابق يحيى ولد سيد المصطف والجمركي والسفير المختار ولد داهي اللذان حاولا الدفعَ نحوَ مشاركةٍ رمزيةٍ تخففُ من حدةِ المقاطعة لكنها لم تلقَ صدى مؤثرًا في القرار النهائي
كذلك اتخذت مجموعة أشفقات الموقف نفسه فغابت الشخصيات البارزة من الصفين الأول والثاني ولم يُمثلها سوى عددٍ محدودٍ من الشخصياتِ ذاتِ العلاقاتِ الشخصيةِ القديمةِ بمجموعةِ اشراتيت

تكشف هذه الواقعة عن تحوّلٍ في طبيعة العلاقة بين “اشراتيت”و”تجكانت” من علاقة يغلب عليها التعاون والتجاور التاريخي إلى علاقةٍ يشوبها التحفظُ السياسيُّ والبرودُ الاجتماعي
ويبدو أن الاصطفافَ السياسيَّ الحديثَ الذي شهدته مناطق آفطوط وارگيبه خلال السنواتِ الأخيرةِ قد أعاد رسمَ خطوطِ التفاعلِ بين المجموعتين ففي حين ظلت الروابط التاريخية قائمة على المجاورة والمصاهرة فإن المشهد الحالي يعكس انقسامًا في الخياراتِ السياسيةِ قد ينعكسُ بدوره على السلوك الاجتماعي
ومن اللافت أيضًا أن قبيلة “تجكانت” لم تتلقَّ دعوة رسمية من مجموعة “اشراتيت” لحضور الحفل وهو ما أثار الاستغرابَ في أوساط المتابعين وفتح الباب أمام تأويلاتٍ متعددةٍ
هل تجاهلت “اشراتيت” توجيه الدعوة عمدًا نتيجة التوتر القائم؟ أم أن القرار كان نابعًا من حسابات داخلية خاصة؟

أياً يَكُنِ التفسيرُ فإن النتيجة واحدةٌ تمثيلٌ ضعيفٌ لـ “تجكانت” في مناسبةٍ ذات رمزيةٍ كبيرةٍ وحضورٍ محدودٍ اقتصرَ على بعضِ الشخصياتِ من الصفِ الثالثِ سياسيا في حين غابتِ الأسماءُ البارزةُ التي كانت دائما حاضرةً في مثل هذه المناسبات

ملاحظة:
اقتصر المقال على المجموعات التي كان حضورها في حفل التنصيب منخفضًا أو محدودًا لأنها كانت موضعَ الملاحظةِ والتحليل
أمّا البطون الأخرى مثل أهلنا وساداتنا إديشف (اليوسفيين) وكذا أهلنا الزلامطة وإديقوب الكرام وإديبني وإدوشر وإدابيجه …إلخ
فلم أقصد تجاوزهم أو عدم ذكرهم بل إنهم لم يكونوا ضمن زاويةِ القراءةِ التي تناولت دلالاتِ الغيابِ الجزئي لا الغياب الكلي ولا الحضور الكامل

اظهر المزيد

باركيول نت

منصة إعلامية تعنى بالشأن الثقافي والتراثي، وتواكب الأحداث السياسية والاجتماعية الوطنية بمهنية واهتمام. هدفها الأسمى هو إنارة الرأي العام الوطني، من خلال تقديم محتوى رصين، جديد ومفيد، يواكب تطلعات المتابعين ويعكس نبض المجتمع وقيمه الأصيلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى