
رموز في الذاكرة…إبراهيم ولد أبيليل.. أنشد للكرامة، ومضى نبيلًا كما عاش
في قلب “أدباي أودي أشرك” من مقاطعة مونكل، وُلد عام 1923 رجلٌ لم يكن عابرًا في الزمان ولا طارئًا على المكان، بل كان صدى صوته يُردد تاريخًا من العراقة والانتماء. إنه إبراهيم ولد أبيليل، أحد أبرز أعلام الشعر الحساني في منطقة لعكيلات، الذي ظل اسمه مقترنًا بها حتى رحيله في نفس القرية سنة 1998.
عرفه الناس إمغنيًا مرجعيا لا يُشق له غبار، يمتلك ناصية الكلمة واللحن، ويُجيد نسج الشعر كما يُجيد صياغة الموقف. لم يكن شاعرًا فحسب، بل كان وجهًا اجتماعيًا مؤثرًا، ومصدر إلهامٍ للجيل الذي عاصره والجيل الذي جاء بعده.
رافقه في مسيرته أسماء لامعة من رجال لعكيلات: إبراهيم ولد أدويه، جاب ولد بيرام، محمد عبد الله ولد أسويد أحمد، ببيك ولد ببانه، ومحمد الأمين الطالب، وغيرهم من الشخصيات الذين شكلوا معه مشهدًا ثقافيًا واجتماعيًا نادر المثال، وظلوا رموزًا في محيطهم لا تُنسى.
وقد خلد ذكراه الشاعر الكبير بوكي ولد أعليات في طلعة حسّانية جميلة، قال فيها:
بِنْيَامِنُص وَفَجَّارٌ ومَيْتُ – بكلْ وَاجْوَاطِلْ ذُو لَعَدَّيْتُ
هَاذُو افْسَهْوِتْهُمْ كَط ابْنَيْتُ – اخْيَامِي وَعَشَّيْتُ الْخِطَّارُ
بَنْظَارِي فِي وصْغُرُ الْمَثْنَيْتُ – وْلَا نَخْطَ مِنْ إِخْيَامِ إِشْعَارُ
وَكْتِنْ قَدَّرْ مُولُ اتِّلِيتْ – ار حيلي عَنْهُمْ مَاهُ ابْعَارُ
اِبْكَ بِنْيَامِنُص وَابْكَ مَيْت – بِكُلْ وِاجْوَاطِلْ وَافَجَّارُ
إنها كلمات تُوجز حياة رجل جمع بين الفن والكرم، وبين الصدق والموقف. فقد كان إبراهيم ولد أبيليل صوتًا لمن لا صوت له، ومرآةً صادقةً لمجتمعه، ومُغنيًا حمل همّ قومه في حنايا شعره
لم يتوقف إبراهيم ولد أبيليل عند هذا الحد، فلديه الكثير من الشعر الحساني، تناول فيه مختلف المواضيع والأساليب، ما يعكس غزارة إنتاجه وتميّزه في هذا الفن الأصيل مما قال :
خَاتِرٌ عِدْتُ انْشُوف الْمِنْيَ – وانْشُوفْ أَنَّاسُ الْمِبْتِني
وانشوف اخْيَامِي فِي ادني – عَنْ شَوفَ الْقُدْرَه وَاسَّيْحَانُ
الْبَرْد لَّمَا عَنْدُو بَنْيَ – ولاه امْنَادِمْ عَنْدُو مَكَانُ
خاتر عنو عدت المني – فَركَاكَ وَأَنَّامُ الْحِسْيَانُ
“كَوُلُولِ الْمَرْمَادَ”
كُلُولِ الْمَرْمَادَ ولَقْرَاسُ – وَلَخْفَافْ وَمَا تُبَارَ
عَنْ إِخْسَارِتْ بَعْدَ ذُو النَّاسُ – مَا تَعْطِ لِلرَّاجِلْ مَالَ
نَعْرَفْ عَنِّي خَلَّيْتْ أَنَّاسُ – إِلَّ نَعْرَفْ مَا فِيهَا بَاسْ
اِمْتَانْ إِلَا عِظْمِتْ لَنْفَاسٌ – لِخْرَيصـات وفَصَــــال
انْدِرْيَاتُ إِلَّ كَطُ اجْرَاتُ – يَغَيْرَانَ افْهَاذِي الْحَالَ
بِي عِدْتُ اخْصَارِتْ ذُو إِنَّاسٌ – لَّعَادِتْ فِيهَا تِنْوَالَ
مَاهِي زَيْنَ وَلَا فِيهَا سَاسْ – ماءِ دَرْجَ ولاهِ مَالَ
الْمَالَ مُولَاهَا فِكْرَاش – وْزَاعِفْ نَفْسُو مَاهُ اعْلَ بَاسٌ
وَعَاطِ مَالُو عَنْ مَالٌ إِنَّاسٌ – وِامْقَدَّمْهَا إِفْذِيكُ الْحَالَ
إِلَ عَادُ امْحَيْلِي امْنْ إِنَّاسٌ- ادَّوْرِ انْشَوْفُو اتَّجَالَ
وِلْ اولُ بَيْنَاتُ إِنَّاس- مَا تَعْطِ لِلرَّاجِلْ مَالَ
” عَاكِبْ تِسْدَارِي “
عَاكِبْ تِسْدَارِي فِلْبُطْوَارُ – وابكين وَسَاكِنْ لَوْجَارٌ
وَالْكَرَّانُ احْوَيتْ دَكَارُ – هَذَا الْوَكْرْ إِلَّ كَرَّهُ فِيه
شَوْفٌ الْمِنْيَ مِنْ كَدْ إِدْيَارْ – مَنْحَرْ فَرْكَاكَ لَيْنْ الْجِيه
هَاذَ كَامِلْ مِنْ لَخْبَارُ – وَاضَّمِيرُ الْمَعْطُوفُ اعْلِيه
خَاتِرُ عِدْتُ انْشَوف اتِّجَارُ – اخْيَامِي وَاخْيَامُ الْمَنْزَلْ فِيهِ
وهو القائل
كُنتَ آنْ نَكعَدْ بَيْنْ إنتاجْ .. لاهْ إنْشِدْ أرْوايْ تَحَاجْ
وانْ حَدْ اصْغَيْرْ أبْلاجْ .. وَنُهُو ذِيكْ الرِّوايَــة
إلَيْنْ اكْبَرْتْ وَعِتْ ارْكاجْ .. وَاحْمَدْتْ أعْلِيهْ مَوْلايْ
نَسْدُرْ مَا شُفْتْ أرْكاجْ .. مَنْ لِنْتَاجْ الكَانُو امْعَايْ
سُبْحانَكْ يَ مَوْلْ العْلاجْ .. مَثْقِلْها عَنْدْ رِوايَــة
“إبراهيم ولد أبيليل، لم يكن شاعرا عاديا، بل كان صوتًا من أعماق المجتمع، وقامة شعرية لا يُشق لها غبار. تنوّع شعره بين البكاء على الأطلال، والمديح، والتوحيد، وغير ذلك من أغراض الشعر الحساني، فكان أدبه مرآة لروحه الراقية وفكره النبيل.
“رحم الله الشاعر، والوجيه الكريم إبراهيم ولد أبيليل، بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته.



